هناك فرقٌ بين كلمة تعتبر تقويضاً للأمنيْن، القومي والوطني، وتؤدي إلى السجن، وأخرى تخضع للقانون في دول المؤسسات، فلا يُحكم على قائلها أو كاتبها بالسجن عشرات السنين، كما هو قائم حالياً عندنا، حيث تستعر النزعة القبليّة والطائفيّة والمناطقيّة لمُجرَّد كلمة، نقول هذا في ضوء الحكم الذي صدر على مواطن فرنسي صفع الرئيس إيمانويل ماكرون، قبل أيام، وحوكم بتهمة الاعتداء على موظف عام، وصدر عليه حكم بالسجن 18 شهراً، يُنفذ أربعة منها ويُعلق الباقي، ولم يُعتبر الأمر اعتداءً على الأمن القومي، أو تقويضاً لنظام الدولة.
في هذا الإطار، أستحضر حادثة طريفة حصلت في بريطانيا عام 1943، إذ في خضم الحرب العالمية الثانية، وبينما كانت لندن تتعرَّض للقصف النازي، لم يُغيِّر رئيس الوزراء، حينذاك، ونستون تشرشل، عادته بالذهاب سيراً على الأقدام إلى مقر الحكومة، وصادفه في أحد الأيام مواطنٌ، فسأله بصوتٍ عالٍ: “هل أنت غبي أم أحمق؟”، فقبض حرس الرئيس عليه وأودع السجن.
في اليوم التالي، استدعى البرلمان تشرشل لاستجوابه، وسأله أحد النواب الغاضبين: “هل يجوز أن تعتقل الشرطة مواطناً وتضعه في السجن لمجرد أنه سبك؟”.
فوراً ردَّ تشرشل: “الشرطة لم تعتقله لأنه سبّني، بل لأنه أفشى سراً من أسرار الدولة”، عندها ضجَّ المجلسُ بالضَّحك من جواب الداهية، الذي اعتبر أعظم سياسي إنكليزي خلال القرن العشرين، وأطلق سراح الرجل.
لو حدث هذا الأمر في إحدى الدول العربية لاعتبر عدواناً على الدولة، ولغيّب المواطن في أقبية السجون لعقود، إذا لم يقتل تحت التعذيب، ولأنَّ المعايير في الدول المُتخلفة واحدة، لم تكن إيران بعيدة عما يجري عربياً، فقد حكمت إحدى محاكمها، قبل سنوات، على فتاة بالسجن 22 عاماً؛ لأنها اعترضت موكب رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد، وأشارت إليه بإصبعها تعبيراً عن غضبها من الحال التي وصلت إليها بلادُها.
ويبدو في الكويت أنَّ الأمر لا يختلف عنه في إيران، ففي السنوات الأخيرة كثرت الأحكامُ بالسجن على المُغرِّدين، ووصل بعضُها إلى عشرات السنين، وهناك مُغرِّدون يقبعون في الحبس، بينما آخرون لم يعودوا إلى البلاد؛ لأنَّ أحدهم، مثلاً، عليه حكم بنحو 80 سنة، لأنه تعرَّض بالنقد إلى حمد بن جاسم، الذي اعترف أنه كان من المُحرِّضين على ما عرف بين عامي 2011 و2013 على ما سُمِّي “مسيرة كرامة وطن”.
هذه الحقيقة باتت، اليوم، تُؤرِّق كثيراً من الكويتيين، الذين يخافون من قول كلمة حق في وجه مسؤول جائر، فيما هم تربُّوا على قول الحقيقة من دون خوف، فكيف، مثلاً، إذا كان عبيد الوسمي، قد صفع مرزوق الغانم بدلاً من أن يجلس في مقعد رئيس مجلس الأمة، أو أنَّ عبدالكريم الكندري بدلاً من أن يسحب كرسي رئيس مجلس الوزراء إلى منصة الاستجواب قد صفعه، فماذا كان سيحصل؟ هل تشتعل حرب أهلية، لأنَّ مواطناً تعدّى على موظف عام، أم تأخذ المسألة مساراً قضائياً عدا الفزعات والـ”شيلات”؟
ما نراه حالياً هو أقرب إلى ذهنية “حرب البسوس”، التي استمرَّت أربعين عاماً بسبب ناقة، وعناد الزير سالم، الذي أجاب حين سئل عن الثمن لإيقاف الحرب، قال: “ردوا إليَّ كليباً حياً تقف الحرب”، لذا نحن اليوم نعيش في ردة قانونية فصلها أعداء الفرح على مقاس أفكارهم، ولا تُناسب مجتمعاً قام على الانفتاح، الذي جعله في يوم من الأيام رائداً حضارياً في المنطقة.