ثمَّة قناعة بين غالبية العرب أنَّ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بات محصوراً بالطرفين، وبقضايا ثنائية بينهما يُمكن حلُّها عبر المفاوضات المباشرة، ولم يعد صراعاً عربياً- إسرائيلياً، بالتالي فإنَّ تطبيع الدول العربية مع إسرائيل لم يعد كفراً، بل أصبح حاجة مُلحَّة لمواجهة عدو توسعي طائفي، وهو إيران، واستناداً إلى هذه الحقيقة، فإنَّ قطار التطبيع سيمرُّ في كلِّ العواصم العربية عاجلاً وليس آجلاً، ومن ضمنها دمشق.
واقعياً لا مفرَّ لسورية من المُصالحة مع إسرائيل، كي تتخلَّص من الإرهاب الإيراني الذي عمل بالشراكة مع الأميركيين، مباشرة أو غير مباشرة، على خلق تنظيم “داعش”، لتنفيذ أجندة تخريب وتفكيك في العالم العربي، وتمهيد الطريق إلى سيطرة الجماعات الدينية والطائفية عليه، بدءاً من “الإخوان المسلمين”، الحليف التاريخي لنظام الملالي، وصولاً إلى “حزب الله” والعصابات الطائفية الأخرى، وليصبح العالم العربي أشبه ببركان تتفجر فيه حمم الصراعات المذهبية والطائفية التي تسعى إيران إليها، لتكون وحدها القوة العظمى الإقليمية المُسيطرة على كل مفاصله.
مَنْ يُراجع الوثائق والمذكرات الأميركية المُتعلقة بالإرهاب، ويُطالع تصريحات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو عن ضلوع إيران بأحداث 11 سبتمبر 2001، تتضح له الصورة بالكامل بشأن التخريب المُمنهج الذي تُمارسه إيران، وكيف تعمل عبر عملاء لها لتجنيد مُغرَّر بهم من جنسيات ومذاهب أخرى لتنفيذ عملياتها.
لقد أصبحت كلُّ أوراق اللعبة في المنطقة مكشوفة، وبقاء سورية على حلفها مع إيران، يزيد من التكلفة الباهظة على شعبها الذي تعب من الحرب العبثية المستمرة منذ عشر سنوات، وأدت إلى مئات آلاف القتلى والجرحي، وملايين المُشرَّدين والنازحين، وكان هدف إيران جَعْل سورية ساحة لتنفيذ مُخططها الرّامي للسيطرة على المنطقة من خلال تغيير الثقافة الدينية إلى ثقافة تقوم على التبعية لمذهب إيراني لا علاقة له حتى بالشيعية العربية.
من خلال اللعب على العواطف الدينية المذهبية، سعى نظام الملالي إلى الهيمنة على لبنان عبر “حزب الله”، وتحويله قوة قتل وإبادة في سورية، أيضاً، بعدما حرَّك أجنحته المذهبية الأخرى لإشعال الحرب الأهلية فيها، تماماً كما هي الحال في العراق الذي أخرج من ثوبه العروبي، وألبس أسمال الطائفية المقيتة، وكذلك الأمر في اليمن، حيث بدأت تتكشف عملية التغيير الثقافي من خلال سيطرة الحوثيين على بعض مؤسسات الدولة في صنعاء، وتكريس مناهج دراسية طائفية مُنحرفة.
اليوم باتت الخيارات مُحددة وواضحة أمام كلِّ العرب، وهي الذهاب إلى الصلح مع عدو عاقل، حتى لو امتلك أسلحة ذرية، فهو لن يستخدمها؛ لأنه يُدرك عواقبها، فيما الاستمرار بالتحالف مع إرهابي مجنون كالنظام الإيراني يعمل في إطار رؤية تعود إلى العصور الوسطى، قائمة على القتل والتدمير والحقد العنصري وليس البناء، ستكون كلفته كبيرة جداً، ولقد دفعت سورية جزءاً من ذلك، وإذا لم تخرج من فلك التحالف لا شكَّ ستزداد الكلفة عليها.
طوال العقود الماضية، وحتى في قمة بيروت عام 2002 قَبل كلُّ العرب الصُّلح مع إسرائيل، حتى الذين كانوا يرفضون معاهدات السلام، لم يقولوا إننا لن نُطبِّع من تل أبيب، بل أعلنوا أنهم سيكونون آخر من يُقدم على ذلك، وبالتالي لا نعتقد أن سورية ستبقى تتجرَّع سُمَّ الإرهاب الإيراني حرصاً منها على علاقتها بنظام الملالي، فيما لديها نافذة مفتوحة على الخلاص، وهي الصلح مع إسرائيل لاستئصال السرطان الإيراني.
لا شكَّ أن لدى القيادة السورية معلومات مُفصلة عن اتصالات إيران و”حزب الله” غير المباشرة مع تل أبيب، ولذلك لا يجب أن تكون كالزوج المخدوع، بل من مصلحتها أن تُعلن على الملأ عن أي اتصالات مع الإسرائيليين، فهي بالنهاية دولة ذات سيادة ولها حرية القرار في هذا الشأن.