الرئيسية / محليات / سيبقى طوفان الأقصى خنجراً في خاصرة العدو.!

سيبقى طوفان الأقصى خنجراً في خاصرة العدو.!

 

سيبقى طوفان الأقصى خنجراً في خاصرة العدو.!

قال الله سبحانه وتعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ (الإسراء 1)

 

وقال حبيبنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ﴾ أخرجه أحمد.

 

مما لا شك فيه أنَّ لحادثة الإسراء والمعراج مكانةً خاصة في قلب كل مسلم شريف من أمتنا الإسلامية، ففي هذه الرحلة الأرضية السماوية انتقلت الريادة والقيادة من أمةٍ إلى أمة ومن شعبٍ إلى شعب ومن تاريخٍ إلى تاريخ، فكانت هذه الرحلة المعجزة خير دليل على خيرية وأفضلية المصطفى النبي العدنان محمد عليه أفضل الصلاة والسلام بين البشر عامة والأنبياء والرسل خاصة، ففيها وصل النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لمكان لم يصل إليه أحد لا من قبل ولا من بعد، لقد كانت هذه الرحلة تسليةً لقلبه عليه الصلاة والسلام بعدما تعرّضَّ للصد من أقرب الناس إليه، ففي هذه الليلة أُسرى به من مكة إلى القدس وبالتحديد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى لما لهذين المكانين من شرف وخصوصية وعمق في قلب التاريخ الإنساني!

 

إنَّ هذا العالم مع بلوغه ذُروة سنام التطور والتقدم التكنولوجي، لكنّه لا زال يعيش في ظلام الظلم، لذلك نرى ونشاهد تراجعاً مخيفاً بل تخاذلاً متعمداً في إرساء دعائم العدل الإنساني والحق البشري، فما يتعرض له الشعب المظلوم والمحاصر في غزّة لدليل واضح على أبشع أنواع الظلم القاتم، القاصم، الجاثم على صدور كل مظلوم، ودليل على أقبح أنواع الاضطهاد الإنساني بدءاً من القريب وانتهاءً بالعدو المحتل والمغتصب لأراضينا عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً، إنَّ القلب ليحزن وإنَّ العين لتدمع لحال غزّة والقدس الشريف وما يحل به كل يوم من انتهاكات في محاولة لتدنيسه وتهويده بقتل أبناءه وببناء المستعمرات الصهيونية حواليه وتحويله إلى عاصمة للكيان الصهيوني بمباركة من العالم المتحضر والذي بلا شك يوفر الغطاء السياسي للصهاينة في مجلس الأمن الدولي، إنّنا لا نستغرب هذه المواقف العدائية من أعداءٍ لا يخفون علينا لكننا نستغرب ونستهجن ونستنكر هذا الصمت المطبق والتخاذل المخزي، من كثير من حكوماتنا العربية والإسلامية فلقد مللنا من مواقف الشجب والاستنكار وننتظر الرد الحازم والحاسم لكسر جدار الظلم في غزّة وإخراج أهله من العزلة والحصار الدولي وننتظر إيقاف شلال الدم الذي طال الأطفال والنساء والرجال، وإننا في دولة الكويت نستشعر هذا الظلم الواقع على أخواننا في غزّة وفلسطين، فالحكومة الكويتية أعلنتها منذ زمن وكررتها بعد أحداث السابع من أكتوبر بأننا في حرب مع هذا الكيان المسخ وسنظل كذلك حكومةً وشعباً حتى يتم استعادة الأقصى الشريف بإذن الله، إذن هل لهذا الصمت المطبق من صرخةٍ يرتعد لها العدو المحتل، وهل لهذا الظلام الدامس من فجرٍ قريب جديد، إنَّه لا يخفى على كل ذي عقل، أنَّ الإسلام في هذه الفترة الحرجة من تاريخنا المعاصر، يتعرض لأبشع أنواع التشويه والتشويش تارةً بفعل داعش وأخرى بالقاعدة وحالش وغيرها من المسميات التي في حقيقتها عداءٌ للإسلام ومناصريه، لذلك نجد أنَّ الضعف دبَّ في أوصال الأمة بسببهم وبسبب افعالهم البعيدة عن دين الرحمة والتسامح لأنّهم من صنع وفعل الأعداء، ولقد صدق الشاعر عندما أستذكر حال المسلمين فقال:

 

إني تذكرت والذكرى مؤرقةٌ           مجداً تليداً بأيدينا أضعناه

أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ       تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
كم صرفتنا يدٌ كُنّا نصرفها             وبات يحكمنا شعب حكمناهُ

 

لقد أحكمت الآلة الإعلامية العالمية والصهيونية قبضتها في قتل الغيرة في قلوب كثير من المسلمين فلقد بات الكثير منّا يسمع في المذياع أنين وصرخات إخوانه المضطهدين ويرى في التلفاز أشلاء الشهداء وهو يأكل ويشرب وينام وكان الشأن لا يعنيه، لقد بخل الكثير من أمثال هؤلاء حتى في الدعاء، والذي هو أساس النُصرة وهو السهم الذي لا ينكسر، لقد ابتعد الكثير عن إقامة شعائر الدين في نفسه وأهله حتى بتنا نخشى عليهم من الخروج من دائرة الإسلام لنقضهم عقيدة الولاء لله والمؤمنين والبراءة من الكافرين والمنافقين، ففي ابتعادنا عن إقامة الدين يصدق قول الشاعر:

 

أيّها الدينُ أنت قائدنا للنصرِ                 دوماً لو ساندتك الجنودُ

لو أقمناك بيننا لـ انتصرنا                      ولما داسنا العدوُ الحقودُ

غيرَ أنّا لمّا هجرناك ذُقنا                       كلّ مُرٍ وخالفتنا السعودُ

يا قيودَ الطغاةِ منكِ ضجرنا        وعلى الخسفِ كيف يغفو البنودِ

ما حياةُ الإنسانِ إنْ صار عبداً               يمتطي ظهره شقيٌ مريدُ!

إنّ شخصاً يرى الهوان ويُغضي             هو في شرعنا الحمارُ البليدُ!

 

وللوقوف على الحال في غزّة خصوصاً وفلسطين عامةً نورد مشهداً يُحاكي ما يحدث في قلب الحدث لأحد إخواننا في فلسطين يصف فيها صعوبة الوضع وشدته حيث يقول أحوالنا في فلسطين جداً صعبة فالحصار قاتل والاشتباكات عنيفة بين الصهاينة والمقاومين الأبطال البواسل والذين لا يحملون في أيديهم وقلوبهم غير الإيمان بالله، فهم يدافعون عن الأرض والعرض ولا يهابون الموت الذي يخشاه أعداءهم، فأبطالنا المجاهدون يؤمنون بأنّ الجهاد نصرٌ أو استشهاد، إنّ آلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال العُزّل قد استشهدوا بلا ذنب وبلا سبب إلا سبب إيمانهم بحق استعادة الأرض المغتصبة، حتى وصل عدد الشهداء والجرحى لأكثر من 80,000 والذي يعتبر أعلى الأعداد المُسجلة منذ بداية هذا الصراع في عام 1948، فحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنّ أهل غزّة وفلسطين هم أصحاب الأرض الذين رفضوا جميع المغريات للتهجير من أرضهم فكان ثمن ذلك أنْ سقوا أرض فلسطين بدمائهم وارتقوا إلى مراتب الشهداء بإذن الله، إنّ مشهد الشهيد الساجد والامام الحافظ لكتاب الله وقائد فصيل النخبة في كتائب القسام تيسير أبو طعيمه لازال ماثلاً للعيان فلقد اغتالته اليد المغتصبة ونشرت مقطع فيديو رغبةً في كسر ذراع المقاومة الباسلة لكن الله أعلى ذكره فمع شدّة الإصابة والألم ونزيف الدم الذي غطى جسده، استجمع قواه ورفع يده لله ووضع جبهته ساجداً ذاكراً لله ومعها ارتقت روحه الطاهرة إلى أعلى عليين وبإذن الله أنّه سيُبعث ساجداً ذاكراً لله، وإنني في هذه اللحظة استذكر قول الشاعر:

 

 

 أخوفاً وعندي تهونُ الحياة        وذُلاّ وإنّي لربّ الإبا

بقلبي سأرمي وجوه العداة           فقلبي حديدٌ وناري لظى

وأحمي حياضي بحدّ الحسام      فيعلم قومي أنّي الفتى

 

وفي الشهيد بإذن الله تيسير أبو طعيمه يصدق قول الشاعر أيضاً:

 

سجد ليحيى حياة الخلود          ويهنأُ فيها بأحلى الرؤى

لعمرك هذا مماتُ الرجال           ومن رام موتاً شريفاً فذا

 

 

إنّ الكيان الصهيوني استخدم كل الوسائل المحرمة أخلاقياً وقانونياً ودولياً في قصف غزّة وأهلها، فهم استخدموا ذخائر من اليورانيوم المُنضب المحظور دولياً فهذه القذائف تستخدم لاختراق الدبابات وتدميرها بقوة الانفجار، وبما أنّ المقاومة لا تملك هذا العتاد من الدبابات فهدف الصهاينة واضح ويتمثل بتدمير المناطق المأهولة بالسكان وبالتالي تأثير الغبار الناتج من هذه القذائف على حياة ووجود أهل غزّة، فالقضية قضية وجود وصمود فهل يعي العالم حقيقة هذا الهدف الخبيث! إنّ الكيان الصهيوني يحاول إنهاك المقاومة عبر استهداف المدنيين فكان في جميع حروبه يخوض حروباً خاطفة هُزمت خلالها العرب لكنها لم تشعر بقوة بأس المقاومة الباسلة التي تراهن على حرب طويلة الأمد والتي تعتبر نقطة ضعف الكيان الصهيوني بسبب التأثير الشعبي والداخلي والعالمي والاقتصادي عليهم، إنني أرى بأس أهل غزّة وهم يرددون قول الشاعر:

 

ونفسُ الشريف لها غايتان                    ورود المنايا ونيلُ المنى

وما العيشُ! لاعشتُ إنْ لم أكن            مخوف الجناب حرام الحمى

إذا قلتُ أصغى لي العالمون                   ودوّى مقالي بين الورى

لعمرك إنّي أرى مصرعي                        ولكن أغذّ إليه الخطى

أرى مصرعي دون حقّي السليب             ودون بلادي هو المبتغى!

 

إنَّ الوضع خطير ويزداد سوءاً لأنّ العدو لا يأبه فالعالم القوي يقف في صفه والعالم الآخر ضعيف ومجلس الأمن مُحصَّن من عقاب الصهاينة القتلة، إنّ منطقتنا تعيش تحت فوهة بركان قد ينفجر الوضع فيها أي لحظة وعلينا استشعار صعوبة الوضع لرص الصف وتوحيد الكلمة!

 

 على العدو المحتل ولمن يكيد بالإسلام والمسلمين أنْ يدرك أنَّ هذه الأمة تمرض لكنها لا تموت, وتغفو لكنها لا تنام فهذه الأمة التي أنجبت الفاروق عمر بن الخطاب والإمام علي بن أبي طالب وسيف الله المسلول خالد بن الوليد والفاتح صلاح الدين الأيوبي وتيسير أبو طعيمه وغيرهم كثير، ستنجب الكثير من الأبطال، فحجر وخنجر وبندقية ونفق في يد شباب أهل غزّة والأقصى ألهب العالم فأرخصوا مع لهيبه أرواحهم للقدس الشريف، دفاعاً عنه وعن أهله لذلك هم منصورون بإذن الله كما أخبر النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام في حديثه الشريف، فبالرغم مما يعانيه إخواننا في غزّة وفلسطين من الخذلان وقلة التمكين والظلم والجور لكنهم يرون النور في نهاية هذا النفق المظلم ولو بعد حين، نعم إنَّ النصر قريب وإنَّ الفرج مع الكرب وإنَّ مع العسر يسرا إنَّ مع العسر يسرا.!

 

إنَّ من ينادي للسلام مع إسرائيل لم يدرك ويستشعر أنَّ الصهاينة أهل غدر ومكر والتاريخ يشهد عليهم بذلك فهم من قتل وكذَّب الأنبياء والرسل وادّعوا أنهم شعب الله المختار، وهم من نقضوا العهود والمواثيق مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحاولوا قتله مراتٍ عديدة، لذلك لا يزعم أحد أنَّ السلام مع العدو المحتل سيحل الكثير من المعضلات والمشكلات لأنه يجب أنْ لا ننسى أنهم مغتصبون لأرض المسلمين وسيظل القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الحبيب عليه الصلاة والسلام طعنةً في خاصرتهم حتى يخرجوا منه أذلةً خاسئين وحتى يشهد الحجر والشجر أنَّ خلفه يهودي كما أخبر الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.

 

إنّنا بهذه الرسالة نناشد الحكومات العربية والإسلامية خاصة وجميع مؤسسات المجتمع المدني عامة، والتي ترفض وتناهض الظلم وتدافع عن المظلومين، نناشدهم المسارعة بنجدة أهل غزّة وفلسطين وكل مظلوم، ومقاطعة كل ما يمت لهذا الكيان المسخ من صلة، مع رفض التعامل معه ومع كل من يناصره في جميع الميادين، ونصرةً لأهل الحق ودفعاً للظلم عن المظلومين، كذلك نطالبهم بأن تصل جميع المساعدات من مال وغذاء ودواء للعوائل والأسر والأفراد بأسرع وقت ممكن!

 

وختاماً إنْ نسينا أو تناسينا قضية فلسطين خاصة والشام عامة فإن ذكرى الإسراء والمعراج ستمر علينا كل عام مؤكدةً أنَّ أمة الإسلام هي الأحق بالريادة والقيادة لأنها الأمة التي أتت لتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وفي ذلك صدق الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال (نحن قومٌ أعزّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلنا الله) فهل وصلت الرسالة؟ والله المستعان.

 

د. عدنان عويد الهذال

 أكاديمي كويتي

حُرر في 2024/01/01

 

عن فريق التحرير