مع تواصل القصف الإسرائيلي للبنان، أثبت المعدن الأصفر أنه الملاذ الآمن الوحيد، حيث شهدت أسواق الذهب المحلية إقبالاً غير مسبوق بين اللبنانيين على بيع وشراء الذهب، رغم إفراغ أغلب المحلات واجهاتها من المجوهرات.
“نشتري الذهب بأعلى سعر”، عبارة موحدة علّقها مالكو محلات الذهب على واجهاتها لجذب المزيد من الزبائن، مع تزايد أعداد النازحين في العاصمة بيروت بحثاً عن مكان آمن من الصواريخ الإسرائيلية.أما تصوير واجهات هذه المحلات فكان مهمة “شبه مستحيلة”، ضمن جولة استطلاعية لـ 24 بين محلات الذهب في العاصمة اللبنانية بيروت.
وكان الرفض “سيد الموقف” من غالبية مالكي محلات الذهب، الذين برروا ذلك إلى جانبوإفراغ واجهاتهم من المجوهرات إلى “الظروف الأمنية المتفلتة مع تصاعد وتيرة ورقعة الاعتداءات الإسرائيلية على مناطق مختلفة في لبنان”.
وعن سبب تهافت أصحاب محلات الذهب على شراء المعدن الأصفر، أوضح أحمد أمين صاحب محل مجوهرات في شارع سوق الذهب في منطقة البربير ببيروت، أنه يعرض على الزبائن شراء ذهبهم بأعلى سعر في السوق لأنه يدرك تماماً أنه “استثمار مربح على المدى الطويل”، مع تصاعد أسعار الذهب على الصعيد العالمي في الأزمات السياسية والحروب الإقليمية.
حماية “جنى العمر”
صاحب شركة إلكترونيات في بيروت م. ي،39 عاماً، كان من بين الذين صادفناهم يشترون أونصات الذهب ضمن هذه الجولة التي امتدت على مدار ثلاثة أيام متواصلة.
وشكّل سؤالنا عن سبب شرائه هذه الكميات من الذهب مصدر ذعر كبير له، إذ ظن أن اللقاء مجرد “طعم لاستدراجه من قِبل عصابة منظمة لسرقته” في غياب الأمن بسبب الحرب.
وبعد أن تأكد من “حسن نوايانا” إثر نقاش طويل وعسير، كشف أنّه لجأ إلى تحويل أمواله النقدية في منزله وفي شركته إلى الذهب لمنع “اختفاء جنى العمر بضربة صاروخ” على حد قوله.
بيع الذكريات
تأمين السيولة هو الهدف الأساسي لدى فئة ثانية من اللبنانيين، الذين التقيناهم، مثل الحاجة منى الداعوق، 76 عاماً، التي شاهدناها في محل عند “تنازلها” عن سلاسل وخواتم كانت تزين يديها وعنقها على الطاولة الزجاجية لوزن القطع التي أهداها لها زوجها خلال مناسبات مختلفة على مدار 35 عاماً من الزواج.
وقالت إنها تبيع ذهبها للحصول على مال يكفي لتلبية حاجاتها الأساسية مع أبنائها الثلاثة المتزوجين وعائلاتهم، بعدما انتقلوا جميعهم للإقامة معها في منزلها المكون من 4 غرف في منطقة النويري في بيروت.
ويسكن أولادها في مناطق “خطيرة نسبياً” في محيط الضاحية الجنوبية، لذلك أصرّت على استضافتهم مع عائلاتهم في شقتها المستأجرة في مبنى قديم من 3 طوابق تسكنها عائلات بيروتية قديمة لا علاقة لها بأي جهة سياسية.
وعن سبب تضحيتها بثروة عمرها، قالت: “لا أحد يعرف موعد انتهاء الحرب، لذلك أضمن بهذه الطريقة تأمين سيولة لعائلتي على فترة طويلة، كما أضمن أيضاً توزيعاً عادلاً لثروتي النقدية بين أبنائي إذا توفيت فجأة في الحرب”.
القرش الأبيض لليوم الأسود
أتى اليوم الأسود الذي خبأت له الشابة لينا عيتاني، 31 عاماً، قرشها الأبيض بعدما وضعته في خزنة بمنزلها بمنطقة الحمراء ليكون في مكان آمن بعيداً عن البنوك اللبنانية التي استولت على ودائع عملائها.
وذكرت أنّها حوّلت مدّخراتها إلى ليرات ذهبية لأنه يسهل نقلها، إذا أجبرت على إخلاء منزلها، وأكدت أن الذهب يبقى ملاذها الآمن، لأنه يحافظ على قيمته، خاصة أنها تنتظر الحصول على التأشيرة للانتقال للعيش في الكويت والبحث عن وظيفة تضمن عيشها بسلام وطمأنينة بعيداً عن هدير الطائرات الإسرائيلية دون طيار التي تسمعها يومياً بعدما استوطنت سماء لبنان منذ بداية الحرب.