حُسن اختيار المُستشارين أحد الركائز الأساسية في إدارة الدولة ونموها، ومنذ نحو ستة قرون وضع عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته الشهيرة وصفة سقوط الدول، ومن أهمها “سوء اختيار الأعوان (المستشارين) من قبل الحاكم، إذ يعدُّ ذلك محاولة انتحار صريحة للدولة، فهؤلاء يضعون الغشاوة على أعين الحاكم، وبالتالي لا يعرف للعدل طريقاً”، كما “أن الدولة تصل، إلى مرحلة السقوط والانهيار، عندما لا يمكنها التصدي للتحديات التي تواجهها”.
في كثير من الدول التي تقدَّمت كان اختيار المستشارين الأَكْفاء الذين يقدمون مصلحة البلاد على أي أمر آخر الأساس في نهوضها، وتخلصها من مشكلاتها بسرعة، وكنا في افتتاحية سابقة تحدثنا عن استعانة الصين بمستشار بريطاني، من أصول عراقية، الذي نصح بالانتقال إلى اقتصاد السوق، ووضع الأسس العملية التي أدت إلى هذا التقدم الهائل في مجتمع كان يقوم على الاقتصاد البسيط، والزراعة.
أيضاً هناك الدول التي انشأت مجلساً اقتصادياً واجتماعياً لإدارة خططها، وحققت فوائد كثيرة، وتغلبت على مشكلاتها كافة، بل أصبحت من أوائل الدول اقتصادياً، لأن هذا القطاع هو عصب الدولة وروحها، وإذا أصيب بأي عطب بدأت الأمراض تسري في جسدها، وشارفت على الانهيار إذا لم تتدارك قيادتها الأمر، وتعمل على تغيير مستشاريها، وإيجاد المؤسسات الصحيحة لإدارتها.
بعض دول الخليج العربية عملت منذ عقود على الاستعانة بمستشارين عالميين، إضافة إلى حسن اختيار الخبراء من أبناء البلد، وقطعت أشواطاً كبيرة في مسيرة تقدمها، فيما بعض الدول الأخرى، كان اختيار المستشارين فيها، إما لقربهم من الحاكم، وإما إرضاءً لمتنفذ أو تيار سياسي أو قبلي وطائفي معين، ما يجعل من هؤلاء عالة على المال العام، ولا يتوخى منهم الإنتاج وتقديم المشورة المناسبة، ومع مرور الزمن يكثر عددُهم، فيما يستمر تراجع الدولة.
كثيرٌ من القادة في الجمهوريات أو الملكيات يختارون مستشارين ليسوا من هواهم السياسي، ولا لهم مصالح تجارية أو مالية يسعون إلى المحافظة عليها وزيادتها، بل إنهم يتباهون باختيارهم، لإدراكهم أن ذلك يساعدهم على معرفة مطالب المجتمع بواقعية، وهذا الأمر لا يقتصر فقط على زعماء الدول، بل أيضاً في الأحزاب وحتى الشركات.
حالياً تُعاني بعض دول الخليج العربية من أزمات عدة، اقتصادية وسياسية، وللأسف فإن الخطط الموضوعة لحلها تقوم على الارتجالية، والمناكفة، وعدم العلمية، ما يشير إلى استفحالها، إذا لم تقدم القيادات السياسية على تغيير النهج، ليس فقط في اختيار المستشارين، بل أيضاً في مقاربة القضايا والملفات، واعتماد العلمية والواقعية والشفافية، إذ مهما كان الحاكم فطيناً، وحكيماً، وواسع الاطلاع، إلا أنه لا يستطيع أن يلم بكلِّ شيء، وبالتالي هو بحاجة إلى مساعدين أوفياء للوطن وليس للشخص، فهو رمز الدولة، والوفاء للوطن يعني الوفاء له.
صحيح أن الدول تمرض، غير أن العلاج هو الذي يحدد إن كانت ستشفى أم أنَّ العارض الصحي سيتحول مرضاً مزمناً، ما يؤدي إلى تسارع انهيارها، ولذلك فإنَّ الخروج من الأزمة الحالية في الكويت يكون عبر مجلس اقتصادي مؤلف من نخبة علمية، ليس بينهم أي متمصلح، ولا يسعون إلى تحقيق رغبات مُتنفذين، أو يطمعون في مراكمة ثرواتهم الشخصية على حساب المصلحة العامة.
الوقت يضيق، وكما قال صاحب السمو الأمير، الشيخ نواف الأحمد في نطقه السامي بجلسة افتتاح مجلس الأمة،: “لم يعد هناك مُتسعٌ لهدر المزيد من الجهد والوقت والإمكانات في ترف الصراعات وتصفية الحسابات وافتعال الأزمات، والتي أصبحت محل استياء وإحباط المواطنين وعقبة أمام أي إنجاز”.
وخير دليل على هذه الرؤية الثاقبة تراجع التصنيف الائتماني بواقع درجتين من “Aa2” إلى “A1″، ما يعكس زيادة مخاطر السيولة الحكومية، وتقييماً أضعف للقوة المؤسساتية ومعايير الحوكمة في البلاد، بالتالي تفاقم الأزمة.