منذ عقود عدة عمدت معظم الدُّول إلى تشكيل مجالس اقتصادية واجتماعية؛ لوضع الخطط وتقديم الاستشارات للحكومات والقادة، وهي إما تتبع مباشرة لرئيس الجمهورية، وإما للملك والأمير في الأنظمة الملكية.
هذه المجالس موجودة في فرنسا وبريطانيا وهولندا والصين وإيطاليا، وكذلك في المملكة العربية السعودية والإمارات، وبعض دول الخليج، وغيرها الكثير من الدول، حيث يجري اختيار أعضائها من نخبة الخبراء بالاقتصاد وعلم الاجتماع، الذين يضعون التَّصورات لحلِّ المشكلات، وكذلك التخطيط لتطوير اقتصادات دولهم.
وهذه الجهات، رغم العقول التي تحتويها، تستعين أحياناً بخبراء من الخارج، مثلما فعل الرئيس الصيني دينغ هسياو بينغ، الذي يعتبر الأب الروحي للنهضة الحديثة، في العام 1978، فهو فور توليه الرئاسة طلبَ من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الموافقة على التعاقد مع خبير تنمية إدارية واقتصادية عالمي للنهوض بالواقع الاقتصادي المُتردي.
يومها رفض طلبه سبع مرات، لكنه واصل عرضه حتى استطاع في المرة الثامنة إقناعها بفكرته، فخاطب شخصياً جامعة “أكسفورد” البريطانية، وأبلغها رغبة بلاده، بالتعاقد مع بروفيسور مُتخصص، للعمل مع الحكومة بصفة مستشار أول، فتقدَّم الخبير الستراتيجي البروفيسور، من أصل العراقي، إلياس كوركيس للوظيفة، حينها أمرَ رئيس الجمهورية وزراء الحكومة بتنفيذ ما يطلبهُ منهم الخبير، الذي كانت أولى أفكاره ضرورة التحوُّل التدريجي إلى اقتصاد السوق، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية، وبخاصة في مجال الصناعة، وتدريب الوزراء على الإدارة والقيادة.
خليجياً، تعمل المملكة العربية السعودية حالياً، وعلى غرار الصين، بإرشادات المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يترأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولذلك نرى المشاريع العملاقة التي يُعلن عنها تباعاً، فيما للأسف في الكويت توضع الشعارات الكبرى لمشاريع، لكنها تندثر في غياهب المُماحكات بين الحكومة ومجلس الأمة، بسبب غياب الرؤية الواقعية القائمة على التفكير العلمي، والمرتبطة بذهنية إدارة بقالة وليس اقتصاداً يُواجه تحديات كبرى، وهو ما يتسبب بالتخلف وإنتاج الأزمات البنيوية التي تُعانيها الكويت وتزيد من تراجعها.
ففي الوقت الذي قطعت فيه اقتصادات الدول المجاورة، المشابهة لنا من حيث الاعتماد على النفط كسلعة ستراتيجية للدخل الوطني، أشواطاً كبيرة في التنويع الفعلي لمصادر الدخل، لانزال نحن نغرق في أوهام الاتهامات والكيدية، والتمصلح السِّياسي والانتخابي، ولهذا السبب أوجدت الهيئات المتعددة، لمجرد التنفيع، وزيادة نسبة البطالة المقنعة، فيما إنتاجيتها صفر.
السبب في هذه المشكلة خضوع الحكومة للنواب ومطالبهم الشعوبية التي تخدم مصالحهم، فيما لا يتحمَّلون أي مسؤولية عنها، لأنها إذا فشلت سيلقون بالتبعة على السلطة التنفيذية، التي هي الأخرى تفتقد إلى الأدوات الإعلامية الصحيحة، للدفاع عن نفسها.
للخروج من هذا النفق تحتاج الكويت إلى مجلس اقتصادي يتبع القيادة السياسية مباشرة، وتكون له صلاحيات مُماثلة لتلك المعمول بها في غالبية دول العالم، فيما على الحكومة أن تعمل على إيجاد إعلام يُسوِّق أفكارها، ويتبنى وجهات نظرها، ولا تبقى في مهب ريح الضغط النيابي الذي يحملها أثقالاً أكثر مما تحتمل.