من كان له حاجة عند أحد فليتجمل في طلبها ولا يكثر الإلحاح، ولا تكثر في طلب حوائجك حتى لا يملك الناس ويبتعدوا عنك، حتی زیارتك للصديق حاول أن تقننها فزر غبا تزدد حبا، بمعنى غب عن صاحبك فترة من الزمن ليشتاق لك وتشتاق له، وبيت الشعر واضح مفاده أن من تجنب الإكثار والإلحاح في مسألة غيره خف عليه وأصبح مرغوبا به، وهو بيت حكمة يقوله أبو العتاهية العيني إسماعيل بن القاسم ثم يقول:
والموت أهون من سؤالك باخلا
فتوق لا يمنن عليك بخيل
وهنا يحذر الشاعر من سؤال البخيل فلا تسأل البخيل ولو حبة خردل فهو على الغالب لن يعطيك وإن أعطاك فلن يتركك في حال سبيلك وسيذكرك بها كثيرا لأن العطاء ليس من شيم البخيل ولا شك أنه سیعتد بما أعطى، وعطية البخيل مثل طباعه وقد بين الشاعر هذا الأمر فقال في السياق:
هبة البخيل شبيهة بطباعه
فهو القليل وما ينيل قليل
إذا أين كرامة الوجه والعز؟ لقد بينها فقال:
والعز في حسم المطامع كلها
فإذا استطعت فمت وأنت تنيل
فمن هو الأخ في نظر هذا الشاعر؟ يقول:
وأخوك من وفرت ما في كیسه
فإذا عبثت به فأنت ثقيل
وهذه وجهة نظر ابوالعتاهية وربما خالف البعض هذا الرأي ولكن الخيبة بالصديق جرته الى ذلك وقد بين ذلك ابن فضال القيرواني علي بن فضال بن علي حيث يقول:
وإخوان حسبتهم دروعا
فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صائبات
فصاروها ولكن في فؤادي
وقد تحدثت كثيرا عن أبي العتاهية لأن أشعاره كلها نخب وحكم وهو مولود في عين التمر سنة مئة وثلاثين وقد توفي في بغداد سنة مئتين واحدى عشرة للهجرة وأكتفي بهذا القدر.