الرئيسية / عربي وعالمي / “نزع فتيل الأزمات وإرساء السلام”.. ماركة مسجلة لدبلوماسية قطر

“نزع فتيل الأزمات وإرساء السلام”.. ماركة مسجلة لدبلوماسية قطر

بخُطا ثابتة، وبثقل سياسي، وبدبلوماسية متزنة، أوجدت قطر للغة الحوار والتفاوض مكاناً بين الدول، من خلال سعيها لعقد لقاءات تُنهي القتال والتصعيد والخصومات.

وباتت الوساطة بين الدول الكبرى عملاً مألوفاً بالنسبة للدوحة؛ فتاريخها السياسي الحديث يشهد على حضورها في كثير من القضايا الإقليمية والدولية الشائكة، خلال السنوات الماضية، وحلها كثيراً منها، من خلال التوسط وعقد المفاوضات واللقاءات.

آخر هذه الإنجازات كانت بنجاح الوساطة القطرية في إنهاء الخلاف بين السلطات الانتقالية في تشاد وجماعات من المعارضة، الاثنين 8 أغسطس 2022، في الدوحة؛ بتوقيع اتفاقية للسلام، مما يمهد الطريق أمام حوار للمصالحة الوطنية الشاملة ينعقد في تشاد في وقت لاحق من أغسطس الجاري.

يأتي التوقيع على اتفاقية الدوحة للسلام بعد محادثات في قطر امتدت منذ مارس الماضي بين الجانبين، بحضور ممثلين عن الاتحاد الأفريقي وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية.

من جانبه أكد الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، أن الدوحة لن تدخر جهداً لتأكيد الحفاظ على السلام في تشاد.

وأضاف وزير الخارجية القطري: “نتطلع بقوة أن يكون اتفاق السلام نقطة تحول على طريق الاستقرار في البلاد”، معرباً عن أمله في أن “تلحق بقية المجموعات التشادية الأخرى بركب السلام لتحقيق تطلعات الشعب”.

ودعا الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني “الدول التي ما زالت تشهد نزاعات للانفتاح على المبادرات الهادفة لإرساء دعائم السلام”.

وفي 20 أبريل من العام الماضي، أعلن الجيش التشادي مقتل رئيس البلاد إدريس ديبي (68 عاماً) متأثراً بجراح أصيب بها خلال تفقد قواته في الشمال، حيث يشن مسلحون هجوماً لإسقاط نظامه الحاكم منذ 1990.

وعقب وفاته شكل مجلس عسكري انتقالي برئاسة نجله محمد (37 عاماً)، لقيادة البلاد لمدة 18 شهراً تعقبها انتخابات، الذي أطلق دعوة لجميع الأطراف -بما فيها الحركات المسلحة والجماعات المتمردة- للمشاركة في الحوار الوطني.

مساعد وزير خارجية قطر للشؤون الإقليمية د. محمد الخليفي، قال إن اتفاقية الدوحة للسلام تسهم في بناء رؤية مشتركة لمستقبل مشرق لجمهورية التشاد.

وأضاف في تغريدة عبر منصة “تويتر” أن “تحقيق المصالحة الوطنية التشادية يعد دعامة أساسية لإرساء الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة. نتقدم في هذا لصدد بالشكر لكل من أسهم في تحقيق هذا التوافق”.

بدوره قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية د. ماجد الأنصاري، في تغريدة على حسابه الشخصي بتويتر: إن “توقيع اتفاق الدوحة للسلام إثبات جديد لنجاعة السبل السلمية في حل النزاعات”.

واعتبر رعاية دولة قطر للمفاوضات “تأكيداً لنهجنا المستمر في دعم جهود الوساطة دولياً وحل النزاعات عبر السبل السلمية”، مضيفاً: “نهنئ الأطراف الموقعة اليوم، على أمل انضمام بقية الأطراف مستقبلاً، ونتمنى التوفيق لمفاوضات أنجمينا”.

إشادة دولية

دراسة سابقة لمركز “يونايتد وورلد إنترناشيونال” الأمريكي أكدت أن دولة قطر أدت دوراً مهماً بالمنطقة، تجلى في حل النزاعات وتقريب وجهات النظر بعدد من الأزمات والقضايا الدولية.

الدراسة التي نشرت في 2020، تطرقت إلى مساعي قطر لوقف تصعيد سابق بين الولايات المتحدة وإيران، مؤكدة أن الدوحة بذلت جهوداً كبيرة للحد من التوتر، وإعلاء صوت الحوار؛ لتجنيب المنطقة مزيداً من العنف والتخريب؛ وذلك على أثر مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.

وعرف المشهد السياسي مجموعة من الاجتماعات المنتظمة بين المسؤولين القطريين والإيرانيين لنزع فتيل التوتر، خاصة مع النظر إلى أن الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران قد وصلت إلى ذروتها حينذاك.

قطر

كما تعمل قطر، وفق التقرير، على تطوير حضورها على المستويَين الإقليمي والدولي من خلال علاقاتها الاقتصادية وشراكاتها المالية، لتتصدر مكانة مهمة في العالم العربي، من خلال توطيد علاقاتها بالدول الكبرى وتوسيع شراكاتها بما يتماشى مع خططها الاستراتيجية.

وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن الإدارة الأمريكية حينها تفاعلت مع الجهود الدبلوماسية القطرية لخفض التوتر مع إيران، واصفةً الدوحة بأنها “أفضل لاعب للوساطة في الخلاف الأمريكي-الإيراني”.

واشنطن و”طالبان”

أسهمت الوساطة القطرية في تحقيق السِّلم والأمن الدوليَّين بين الدول، وكان أبرزها استضافة عدد من جولات المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في مايو 2019، من أجل مناقشة انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان، وصولاً إلى اتفاق الدوحة، أواخر فبراير 2020.

ونص الاتفاق، على إنهاء الحرب الدائرة في البلاد منذ 19 عاماً بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، مع إعلان واشنطن خفض وجودها العسكري في كابل إلى 4 آلاف جندي (من أصل 12 إلى 13 ألف جندي)، بحلول شهر نوفمبر المقبل.

ونجحت قطر في جلب قادة حركة طالبان إلى طاولة المفاوضات بعد سنوات طويلة من الحرب وإراقة الدماء، بهدف إيجاد حل سياسي للصراع الأفغاني، وإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة.

مفاوضات

وسبق هذه المفاوضات إبرام صفقة لتبادل الأسرى، بين “طالبان” والولايات المتحدة بوساطة قطرية، في يونيو 2014، أسفرت عن إطلاق سراح الرقيب بالجيش الأمريكي باو برغدال وتسليمه إلى القوات الخاصة الأمريكية في أفغانستان، مقابل فك أسر خمسة من كبار قادة حركة طالبان، بعد الإفراج عنهم من معتقل غوانتنامو.

ورحب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حينها، بإطلاق سراح برغدال، مؤكداً في خطاب له أن الحكومة القطرية قدمت ضمانات أمنية لواشنطن بشأن المفرج عنهم.

كما وجَّه الرئيس الأمريكي شكراً لأمير قطر؛ وذلك لجهود الدوحة في تسهيل عملية إطلاق الأمريكي كيفن كينغ، والأسترالي تيموثي ويكس، اللذين كانا محتجزَين لدى حركة طالبان، منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

مفاوضات

أيدٍ بيضاء في دارفور

تبرز نجاحات الدبلوماسية القطرية في موقعة أخرى مهمة تتمثل بوقف العنف والقتال بدارفور جنوب السودان، إذ احتفلت الدوحة في مايو 2011، باتفاقية سلام دارفور التي أرست دعائم الأمن والاستقرار هناك.

كانت المبادرة القطرية أكثر الأساليب فاعلية واصطباراً على التفاوض الصعب، فقد استضافت الدوحة المتحاورين أكثر من عامين إلى أن تكللت جهودها بالاتفاقية المسماة “وثيقة الدوحة للسلام”، وكانت نتاج حوار شارك فيه مئات من أهل المصلحة.

وفي حينها أشاد والي ولاية شرق دارفور، بقطر وقال إنها أدت دوراً حيوياً مهماً في استدامة الاستقرار الشامل ببلاده، من خلال جهود محلية وإقليمية ودولية متواصلة، أثمرت دعماً غير مسبوق لملفات السودان في هذه المحافل، وهو ما مكَّنه من تخطي العقبات والصعاب التي كانت تحول دون إحداث الاستقرار وتحقيق الانفراج الكامل في علاقاته الدولية.

وساطات وسط النار

في مارس 2014، أسفرت جهود الوساطة القطرية عن الإفراج عن 13 راهبة كنَّ محتجزات في شمالي سوريا، مقابل إطلاق سراح أكثر من 153 معتقلة سورية من سجون النظام السوري.

وقالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية في حينها: إنه “بتوجيهات من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قامت الأجهزة المعنية في الدولة بجهود حثيثة منذ شهر ديسمبر 2013، للتوسط من أجل إطلاق سراح راهبات معلولا؛ إيماناً منه بمبادئ الإنسانية وحرصه على حياة الأفراد وحقهم في الحرية والكرامة”.

وأعلن وزير الخارجية القطري في حينها، خالد العطية، نجاح الوساطة القطرية في إطلاق سراح الراهبات، لافتاً إلى أن جهود قطر لإطلاقهن أسفرت عن إطلاق سراح أكثر من 153 معتقلة سورية من سجون النظام السوري.

وفي لبنان، كانت قطر حاضرة بقوة، من خلال تحقيق صفقة تبادل بين الجيش اللبناني و”جبهة النصرة” في سوريا، إذ عملت الدوحة على تنفيذ صفقة أسرى أسفرت عن الإفراج عن 16 جندياً لبنانياً في ديسمبر 2015، مقابل إفراج الحكومة اللبنانية عن 25 سجيناً، طالبت “النصرة” بإطلاق سراحهم، بينهم 17 امرأة.

لبنان

وعند إتمام الصفقة وجَّه رئيس الحكومة اللبنانية في حينها، تمام سلام، لدى استقباله الجنود المفرج عنهم، الشكر إلى دولة قطر وأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على الجهود التي بذلتها من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق.

وفي صحراء ليبيا، تمكنت قطر من أداء دور وساطة ناجحة بين قبائل التبو والطوارق، ففي 23 نوفمبر 2015، تم في الدوحة توقيع اتفاق سلام بين القبيلتين، بعد مفاوضات استمرت أربعة أيام برعاية قطرية.

نص الاتفاق على وقف نهائي لإطلاق النار بين الطرفين، وعودة النازحين والمهجَّرين من أهالي مدينة “أوباري” إلى ديارهم، وفتح الطريق العام إلى “أوباري”، وإنهاء المظاهر المسلحة كافة في المدينة.

وأكد الطرفان، في بيان مشترك، ترحيبهما بالجهود المتواصلة لدولة قطر في ظل قيادة أميرها، لتحقيق المصالحة بين الطوارق والتبو، والتي حظيت بموافقة القبائل كافة ومساندة دول الجوار.

ولم تكن تلك الوساطة هي الوحيدة لقطر في ليبيا، إذ أسهمت جهود الدوحة في إنهاء أزمة الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات في ليبيا، عقب صفقة أُفرج بموجبها عن هؤلاء، بعد ثماني سنوات قضوها بالسجن، في 2007.

وأكد الرئيس الفرنسي في وقتها، نيكولا ساركوزي، أهمية الوساطة القطرية والمساعدات التي قدمتها حكومة قطر في هذه القضية.

كذلك استضافت قطر جولات للوساطة بين الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي في 2007 و2008، للتخفيف من حدَّة التصعيد، ووقف أي حرب مستقبلية.

الدوحة

حضور في أفريقيا

وفي أفريقيا كان الثقل السياسي القطري حاضراً، من خلال التوسط لإطلاق أسرى جيبوتيين، ضمن وساطة بين جيبوتي وإرتريا، ليعود الأسرى إلى بلدهم برفقة وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على متن طائرة خاصة، في مارس 2016.

ورحب مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، حينها، بوساطة دولة قطر والتي تُوِّجت بالإفراج عن عدد من الأسرى الجيبوتيين لدى إرتريا.

وأشاد حينها الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيله، بالوساطة القطرية، ودور أمير قطر في إطلاق سراح الأسرى، مشيراً إلى أن علاقات بلاده مع قطر تشهد تطوراً في المجالات كافة.

وفي الشأن الفلسطيني، لم يغِب الدور القطري عن الوساطة لإنهاء الانقسام السياسي الداخلي بين حركتي “فتح” و”حماس”، إذ استقبلت الدوحة وفوداً من الطرفين خلال 2012، نتج عنها توقيع الحركتين في 6 فبراير 2012، اتفاقاً يهدف إلى تسريع وتيرة المصالحة الوطنية بينهما.

وخلال الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، كان للدوحة دور بارز في التوصل إلى تهدئة بين الفصائل الفلسطينية و”إسرائيل”.

جهود الدوحة

عن فريق التحرير