أفاد صندوق النقد العربي في التقرير السنوي حول الاستقرار المالي في الدول العربية لعام 2022، بأن الاعتماد الكبیر في الكويت على العقارات في شكل استثمارات وضمانات وانكشافات تمویلیة من البنوك، قد يشكّل مخاطر مرتفعة على المؤشرات المالية للبنوك الكويتية إذا حدث أي انخفاض حاد في أسعار العقارات.
وأضاف أنه على ضوء الهيمنة المالية واعتماد اقتصاد الكويت على الإنفاق الحكومي (سواء في شكل أجور ومرتبات أو دعم أو مشروعات رأسمالية)، قد يكون له تأثير مادي ومباشر على الاقتصاد إذا حدث أي تراجع مفاجئ في الإنفاق.
وجاءت هذه النتائج بناء على اختبارات ضغط أجراها الصندوق بهدف تقییم مدى قدرة القطاع المصرفي الكويتي على مواجهة المخاطر والصدمات المختلفة في ظل ظروف استثنائیة معاكسة ذات احتمالیة حدوث منخفضة، وذلك من خلال قیاس تأثیرها على مجموعة المؤشرات المالیة متمثّلة بشكل أساسي في الربحیة ومدى كفایة رأس المال والسیولة. واستخدم صندوق النقد العربي 3 سیناریوهات على النحو التالي:
السیناریو الأول:
یظهر الاعتماد المحلي الكبیر على العقارات في شكل استثمارات، وضمانات وانكشافات تمویلیة من البنوك، وبالتالي فإن أي انخفاض حاد في أسعار العقارات قد یشكل مخاطر مرتفعة حیث سینتقل من القنوات المشار إليها، إضافة إلى زيادة الضغوط على قطاع الإنشاءات.
أما المتغيرات الكلية الأساسية شديدة التأثر في هذا السيناريو، فتتمثل في تراجع الناتج المحلي الإجمالي وأسعار العقارات ما قد يؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي، ويتوقّع أن يكون التأثير على الناتج المحلي الإجمالي معتدلاً حيث يفترض استمرار السيناريو لفترة عامين.
السيناريو الثاني:
يتناول الهيمنة المالية والاعتماد الاقتصادي على الإنفاق الحكومي في الكويت (سواء في شكل أجور ومرتبات أو دعم أو مشروعات رأسمالية)، حيث إن أي تراجع مفاجئ في الإنفاق قد يكون له تأثير مادي ومباشر على الاقتصاد.
وفي هذا السيناريو، فإن التغيّرات الأساسية في المتغيرات الكلية تتمثل في انخفاض الإيرادات النفطية والناتج المحلي الإجمالي والإنفاق الحكومي. كما يتوقع أن يكون التأثير على الناتج المحلي الإجمالي سلبياً ويستمر لـ 3 سنوات، مع احتمال أن يكون تأثيره بعيد المدى على القطاعات الاقتصادية.
السيناريو الثالث:
يفترض حدوث صدمة عالمية واسعة النطاق، حيث تمتد آثار التراجع الاقتصادي على كل من العرض والطلب ما قد يؤدي إلى انخفاض حاد في أسعار النفط وقيم الأصول لـ4 أعوام المقبلة. وتتمثّل المتغيّرات الكلية الرئيسية في هذا السيناريو في تراجع الناتج المحلي الإجمالي وإيرادات النفط والإنفاق الحكومي، مع ارتفاع معدلات البطالة. ويتوقع شدة التأثير السلبي على الناتج المحلي الإجمالي.
وأظهرت النتائج أهمية قطاع العقارات في الاقتصاد المحلي، حيث أدت الصدمة في هذا القطاع إلى تأثير أكبر على أرباح البنوك من الصدمة على مستوى الدولة في سيناريو تصاعد العجز المالي.
وجاء التأثير في السيناريو الأول شديداً نتيجة لتزايد القروض غير العاملة، مع انكشاف البنوك المرتفع نسبياً تجاه قطاع العقارات. وكان التأثير في السيناريو الثاني ممتداً بشكل أكبر حيث يؤثر تراجع نمو القروض الناتج عن تراجع النمو الاقتصادي على أرباح البنوك.
وقد جاءت النتائج في السيناريو الثاني أقل تأثيراً من السيناريو الأول حيث إن الصدمة جاءت على مستوى النظام ولم تكن محدّدة على قطاع تركز عليه البنوك (قطاع العقارات).
وفي السيناريو الثالث، يؤدي تزايد القروض غير العاملة بمعدلات كبيرة إلى جانب الآثار اللاحقة إلى انخفاض شديد في الأرباح 2022. وتأتي جميع هذه الآثار في شكل تكاليف متزايدة للأموال، حيث تواجه البنوك التي تصل إلى حد متطلبات الملاءة مشكلة سحب الودائع وارتفاع تكلفة التمويل قصير الأجل من البنوك الأخرى.
ورغم أن الافتراضات الخاصة بالقروض غير العاملة مختلفة بين القطاعات، إلا أن التأثير يمتدّ إلى كل القطاعات بما في ذلك القروض الشخصية، وتعود الأرباح للارتفاع في العام الثالث من السيناريو مع تلاشي آثار جائحة كورونا.
وقد ظلت نسبة كفاية رأس المال أعلى من الحد الأدنى لمتطلبات لجنة بازل، رغم أن تجاوزه كان وشيكاً في السنة الثانية من السيناريو الثالث.
لذلك، فإن السماح للبنوك باستغلال المخصصات الاحترازية المكونة لاستيعاب الصدمات غير المتوقعة من شأنه أن يرفع معدل كفاية رأس المال بمتوسط نقطتين مئويتين في كل الأعوام بالسيناريو الثالث.
وأخيراً، تستمر السيولة على مستوياتها الجيدة في كل الأعوام بالسيناريو الأول والسيناريو الثاني، في حين تواجه البنوك مشكلات سيولة في السيناريو الأكثر شدة فقط نتيجة لظهور الآثار اللاحقة والمترتبة على تجاوز الحد المطلوب لهذه الاختبارات.
كما تظل قدرات الإقراض عند مستويات قوية في جميع الأعوام لكل السيناريوهات، حیث إن الحد الأقصى للإقراض ما زال أقل بكثیر من 100 في المئة، ما یضمن للبنوك قدرة كافیة على أداء دورها في تمویل الأنشطة الاقتصادیة.
تجدر الإشارة إلى أن بنك الكویت المركزي أجرى بالتنسیق مع جهة استشـاریة عالمیة متخصـصـة اختبارات ضغط بناء على سیناریوهات تم تصمیمها تأخذ بالاعتبار تداعیات الجائحة، وانعكاساتها على جانبي العرض والطلب محلیاً وعالمیاً، وأثر الانخفاض الحاد في أسعار النفط وانعكاسات ذلك على السیاسة المالیة للدولة بما في ذلك سیاسة الإنفاق العام.
وقد تمت دراسة وتحلیل كل السیناریوهات المحتملة للتعافي الاقتصادي والتي تم تحدیدها في ضـوء عاملین أساسيین، یتمثل الأول في انتشار الفیروس واستجابة الجهات الصحیة ومدى قدرتها على الحد من انتشاره، فیما یتمثّل العامل الثاني في السیاسات الاقتصادیة المتخذة للحد من تداعیات هذه الأزمة على الأوضاع الاقتصادیة والمصرفیة، والآثار المترتبة علیها.
وقد خلصت الدراسات إلى تسلیط الضوء على سیناریوهین محتملین:
1. سیناریو التعافي المتردد، والذي یستند إلى فرضیة عودة الأعمال بشكل تدریجي، وأن الخسائر المتوقعة في إیرادات القطاعات المتضـررة قد تنخفض بنحو 30 في المئة، وأن تعافي الاقتصاد سوق یستغرق مدة عام كامل.
2. سیناریو التعافي المتأخر، والذي یستند إلى فرضیة عودة الأعمال بشكل تدریجي مع إمكانیة إعادة الإغلاق في حال ظهور موجة جدیدة من انتشار الفیروس، وبالتالي فإن الخسائر المتوقعة في إیرادات القطاعات المتضرّرة قد تنخفض بنسبة أعلى من السیناریو الأول لتصل نحو 40 في المئة، وأن تعافي الاقتصاد سیستغرق عامین كاملین.
ویفترض كلا السیناریوهین تعرض القطاع العقاري وسوق الأوراق المالیة لصدمات یترتب علیها تراجع مؤثر في جودة أصول البنوك ویشمل ذلك قیم استثماراتها ومحافظها التمویلیة وما لدیها من ضمانات في صورة أسهم وعقارات مقابل مدیونیة العملاء المعرضین للتعثر.
وقد أظهرت نتائج اختبارات الضغط وفقاً للسیناریو الأشـد، ولرؤیة مستقبلیة حتى نهاية 2020 أن متوسط الكفاية الرأسمالية للبنوك الكویتیة ســوف یبلغ نحو 11.6 في المئة، وذلك یفوق متطلبات لجنة بازل لمعیار كفایة رأس المال والتي یصل حدها الأدنى 8 في المئة (دون المصدة التحوطیة البالغة 2.5 في المئة).
موجودات القطاع
وأضاف صندوق النقد العربي أن موجودات القطاع المصرفي في الدول العربية وصلت 4.31 تريليون دولار نهاية العام الماضي بنمو 5 في المئة مقابل 3.84 تريليون نهاية 2020، ما يعكس ثقة العملاء والسوق بالقطاع المصرفي رغم التحديات الكبيرة التي فرضتها جائحة «كوفيد -19».
وجاءت الكويت بالمرتبة الخامسة عربياً والرابعة خليجياً في حجم الودائع لدى القطاع المصرفي في الدول العربیة حسب الدول، كما في نهایة 2021.
وذكر التقرير أن بنوك الإمارات ما زالت تستحوذ على الحصة الأكبر من موجودات القطاع المصرفي العربي بنسبة 22.4 في المئة نهاية العام الماضي، تليها البنوك السعودية بحصة سوقية 21.7 في المئة، فيما تأتي البنوك الكويتية خامساً بحصة سوقية 6.3 في المئة، بينما تحتل المرتبة الرابعة خليجياً بعد البنوك القطرية التي جاءت بالمركز الثالث خليجياً والرابع عربياً بحصة 12.5 في المئة.
وأرجع التقرير ارتفاع حجم موجودات القطاع المصرفي العربي إلى نمو السيولة لديها بسبب الإجراءات التحفيزية من قبل المصارف المركزية العربية منها على سبيل المثال تبني سياسات نقدية تيسيرية وتحرير بعض هوامش رأس المال، وذلك لمواجهة تداعيات جائحة «كورونا» وانعكاساتها السلبية على التدفقات النقدية لقطاعي الأفراد والشركات أثناء الجائحة.
67.8 في المئة من موجودات المصارف العربية خليجية
أشار تقرير صندوق النقد العربي إلى أن القطاع المصرفي في الخليج استحوذ على 67.8 في المئة من إجمالي موجودات القطاع المصرفي العربي نهاية العام الماضي لتحافظ دول المجلس على حصتها السوقية المحققة نهاية 2020 والبالغة آنذاك نحو 66 في المئة، بينما استحوذت البنوك المصرية على 13.6 في المئة من إجمالي موجودات القطاع المصرفي العربي تلتها كل من البنوك المغربية واللبنانية والجزائرية بنسبة 4.2 في المئة و3.7 في المئة و3.5 في المئة على التوالي.
أما التوزیع النسبي للودائع لدى القطاع المصرفي في الدول العربیة، فقد استحوذت بنوك دول الخلیج على 4.64 في المئة من إجمالي حجم الودائع لدى القطاع المصرفي العربي نهایة 2021، علماً بأن البنوك السعودیة والإماراتیة والقطریة استحوذت على 53.4 في المئة من إجمالي حجم الودائع نهایة 2021.
وأوضح التقرير أن متوسط نسبة أصول البنوك في الدول العربية إلى الناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى 136 في المئة نهاية العام الماضي، بما يعكس أهمية القطاع المصرفي العربي نظراً لارتفاع حجمه، وبالتالي أهمية دور السلطات الرقابية في تعزيز متانة هذا القطاع وتقييم مخاطره بشكل مستمر، وذلك من خلال استخدام السياسات الاحترازية الكلية والجزئية والتنسيق مع السياسات الاقتصادية الأخرى لاسيما السياستين النقدية والمالية.