الرئيسية / كتاب وآراء / كتب- أحمد الجارالله: رُفعت الأقلامُ… ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد

كتب- أحمد الجارالله: رُفعت الأقلامُ… ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد

إذا جَمَعْنا برامج الحكومات منذ العام 1962 حتى اليوم، لوجدنا أن شعارها الوحيد الذي لم يتغيَّر هو تنويع مصادر الدخل، فهذه اللازمة لم تُفارق أياً من الحكومات، لكن النتيجة كانت صفراً، إذ زاد الاعتماد على النفط، وهو سلعة أسعارها تتذبذب بما لا يوحي بأي أمان، حتى وصلت الحال بالكويتيين إلى عدم الانفطام عن الرعاية، وأصبح كلُّ شيء مجاناً.

طوال العقود الستة الماضية لم تعمل الدولة على بناء قاعدة صناعية حقيقية، أكان في الصناعات التحويلية أم الخفيفة والمتوسطة، على غرار ما هو سائد في بعض دول الخليج العربية، أما في الأمن الغذائي، فقد تحوَّلت القسائم الزراعية أماكن ترفيه، ولم يكن هناك إلا مياه الروضتين كمشروع يتيم، وزاد الاعتماد على الاستيراد من الخارج، كذلك في السياحة التي كانت أساساً لخطط عدة، لم يَجْر بناءُ أي مرافق جاذبة للزوار من الخارج، بل ارتفع معدل الكويتيين الذين يقضون إجازاتهم في الخارج إلى مستويات كبيرة جداً.

يُضاف إلى ذلك عدم وضع أي خطط لجذب الشركات الاستثمارية الكبرى، وعدم إصدار القوانين التي تُنوِّع مصادر الدخل كضريبة القيمة المُضافة أو زيادة رسوم الخدمات.

هذا الجمود في التنمية أثر بشكل سلبيٍّ على الدولة ككل، ففي القطاع الصحي تراجعت الجودة إلى أدنى المستويات، أما التعليم فقد وصل إلى الحضيض، ولنا في تقارير التنمية العربية خير مثال على واقع هذا القطاع، بحيث لم يجر العملُ جدياً على بنية تحتية مُتطورة، تكنولوجية وخدماتية لتحقيق شعار “الكويت 2035” وتحولها مركزاً مالياً وتجارياً عالمياً.

فيما في الدول المُجاورة، وأقصد هنا السعودية والإمارات وغيرهما من دول الخليج، فقد حوّلت صدمة انهيار أسعار النفط في ثمانينات القرن الماضي فرصة تنموية، وبلغت مراحل مُتقدمة من تنويع مصادر دخلها، مع الارتقاء في الاستشفاء والتعليم.

على سبيل المثال، بلغت تجارة الإمارات غير النفطية خلال تسعة أشهر من العام الماضي 1.03 تريليون درهم، فيما سجَّلت المملكة العربية السعودية إيرادات غير نفطية خلال العام الماضي بلغت 46.5 في المئة من إجمالي إيرادات الدولة، فيما في الكويت بلغت الإيرادات غير النفطية 1.85 مليار دينار بنسبة 10.7 في المئة.

في الإمارات والسعودية توجَّهت الإدارة التنفيذية وبإرادة صلبة إلى تنويع مصادرها عبر دراسة مُتأنية، فعمدت إلى تخصيص قطاعات كثيرة، بدءاً من الصحة، مروراً بالتعليم والماء والكهرباء، وصولاً إلى الطرق والاتصالات، وأفسحت في المجال أمام القطاع الخاص، ليس المحلي فقط، بل والأجنبي، لتوظيف استثماراته في تلك القطاعات.

في الإمارات، اليوم، هناك نحو 60 جامعة خاصة، وواحدة رسمية، وهناك جذب للطلاب الأجانب، ومنحت إقامات طويلة الأمد للمستثمرين والمُبدعين والنخب العلمية، وأقيمت المصانع الحديثة، التي تُصدِّر بضائعها إلى دول الخليج، وإيران، والعراق، وبقية الدول العربية.

أما في المملكة العربية السعودية، التي كانت شارفت في مرحلة من المراحل على الدخول بعجز مالي طويل الأجل، فقد اتخذ الملك سلمان بن عبدالعزيز قراراً تاريخياً بتنويع مصادر الدخل الوطني، وتولى وليُّ عهده الأمير محمد بن سلمان العمل على تطوير التشريعات الاستثمارية، وبناء منطقة صناعية ربما هي الأكبر في العالم، كما فتحت أبوابها لكل المستثمرين، واستطاعت تصدير بضائع بنحو 50 مليار ريال، وخصخصت قطاعات أخرى، إضافة إلى الانفتاح الاجتماعي الذي قلَّص الإنفاق السياحي في الخارج إلى 32 مليار دولار، بينما كان سابقاً يصل إلى نحو 60 ملياراً.

ربما ينبري من يقول إن الرعاية أمرٌ دستوريٌّ، وبالتالي لا يصح أن تخصص الدولة الخدمات، فيما الحقيقة غير ذلك، بل إن الحماية الاجتماعية هي لذوي الدخل المحدود، وليس لأصحاب الثروات، ولقد بَيَّنَ الدستور ذلك بوضوح لا يقبل الشك.

في الكويت الميزان مُختلٌّ بسبب عدم قدرة الحكومات على الصمود بوجه الشعبوية النيابية، أو الإعلامية، وحالياً قوة مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك تحوَّلت قوانينها طاردة للمُستثمرين، بل طاردة حتى للخبرات، إذ كيف تريد الحكومة جذب المُستثمرين الأجانب وهي أصدرت، مثلاً، قراراً قراقوشياً بعدم منح إقامة لمن بلغ الستين عاماً من المُقيمين، فيما هؤلاء يوظفون خبراتهم وأموالهم في الكويت التي أصبحت وطناً ثانياً لهم؟

مُعظم ما صدر من قرارات وتشريعات عن الحكومات ومجالس الأمة في السنوات الماضية استهدف، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، خنق الكويت، وليس تنويع مصادر الدخل، وبينما تستمرُّ الدولة في هدر المال على الرعاية العبيثة، فها هي اليوم تُشارف على الأخذ من اللحم الحي، وتستدين من الخارج، لذلك إذا لم تعمل على الخصخصة وفتح البلاد أمام المستثمرين، والتخلي عن القوانين والقرارات الطاردة للاستثمار وللخبرات، فإنها لا شكَّ تتجه إلى مُنزلق ماليٍّ واقتصاديٍّ خطير.

رُفعت الأقلام… ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد.

 

عن فريق التحرير