أثّر وباء فيروس كورونا على العديد من القطاعات الاقتصادية في مملكة البحرين، خصوصاً مع انخفاض أسعار النفط مصحوباً بقلة الطلب عليه، بالإضافة للإغلاق الاقتصادي الذي استمر عدة أشهر في عام 2020، وأعيد فرضه في الربع الأول من عام 2021 مع عودة ارتفاع أعداد الإصابات في البلاد.
وكان قطاع السياحة من بين القطاعات التي تأثرت بشكل سلبي جراء تفشي الجائحة، خصوصاً أن السياحة من المجالات التي تعتمد بشكل كبير على السياح القادمين من دول الخليج والدول الأجنبية، إلا أن إغلاق المجالات الجوية لأشهر طويلة، ثم فتحها بشروط الفحوص المستمرة والحجر المنزلي أو الفندقي، دفع معظم السياح لإلغاء خطط السياحة في المرحلة الماضية.
وفي إطار استمرار تفشي فيروس كورونا، وإطلاق عمليات التطعيم باللقاحات المضادة منه، هل سيخرج قطاع السياحة من أزمته في البحرين؟
قطاع السياحة البحريني
تعد البحرين من أضعف دول الخليج من الناحية الاقتصادية، حيث تنتج نحو 200 ألف برميل من النفط الخام يومياً وهو عدد قليل جداً مقارنة بما تنتجه الدول الجارة الأخرى لها.
وهذا الوضع الاقتصادي دفعها لتبني سياسات تنويع اقتصادية شملت عدة مجالات منها استقطاب المستثمرين الأجانب والاستثمار محلياً وعالمياً في العديد من المجالات، لا سيما السياحة، التي تعود بعوائد ضخمة للناتج المحلي.
وفي عام 2012، أطلقت البحرين رؤيتها الاقتصادية 2030، والتي تسعى لإنشاء توجه واضح لتطوير اقتصاد المملكة، مع التركيز على هدفٍ أساسي يتجلى في تحسين المستوى المعيشي لجميع مواطني مملكة البحرين.
وتركز الرؤية الاقتصادية 2030 على بلورة رؤيةٍ حكوميةٍ متكاملةٍ للمجتمع والاقتصاد، والتي تدور حول ثلاثة مبادئ أساسية هي القدرة التنافسية، والعدالة، والاستدامة، فيما تعمل الحكومة على مراجعة استراتيجيات رؤيتها الاقتصادية بما يتلاءم مع المتغيرات الاقتصادية الدولية بشكل دوري.
وأولت الحكومة اهتماماً بالغاً بقطاع السياحة عبر العمل على تحويله إلى أحد الروافد الأساسية التي تسهم في الاقتصاد الوطني من خلال زيادة نسبة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي إلى أكثر من 7%، وإبراز مملكة البحرين كمركز سياحي إقليمي وعالمي.
وحتى عام 2019 شهدت البحرين زيارة 11.1 مليون زائر لغرض السياحة، وهي أرقام متقاربة مع القفزة النوعية التي شهدها القطاع في عام 2016 حيث بلغ عدد زوار البحرين من السياح 12.3 مليون زائر.
وأدى تنشيط السياحة في البلاد إلى زيادة عدد نزلاء الفنادق من 1.2 إلى 1.3 مليون زائر سنوياً، حيث تساهم الفنادق والمطاعم بنحو 2.44% من الناتج الإجمالي المحلي.
خسائر ضخمة
أثر وباء كورونا بشكل كبير جداً على القطاع السياحي، حيث أكّدت غرفة تجارة وصناعة البحرين أنه من أكثر القطاعات تضرراً في المملكة بسبب إغلاق الدول في جميع أنحاء العالم حدودها وفرضها لقيود صارمة على السفر.
وانخفض عدد الزوار الوافدين لأغراض سياحية بنسبة 83%، من 11.1 مليون زائر في 2019 حتى وصل إلى 1.9 مليون زائر في 2020، وبذلك انخفض إجمالي إيرادات السياحة الوافدة في 2020 بنسبة 80% من 1.5 مليون دينار (3.98 ملايين دولار) إلى 0.3 مليون دينار (800 ألف دولار).
وانخفض عدد الزوار الوافدين عبر جسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالسعودية بنسبة 84% في 2020 مقارنة بعام 2019، ويعود ذلك لإغلاق الجسر مؤقتاً منذ مارس 2020 للحد من تفشي الفيروس، بالإضافة إلى ذلك انخفض عدد الزوار الوافدين جوّاً بنسبة 76%، وبحراً بنسبة 62%، في 2020، وفق تقديرات الغرفة.
وأكّدت غرفة البحرين أن جائحة كورونا أدت إلى انهيار قوة القطاع السياحي أمام القيود الاجتماعية التي فرضتها، وشلل حركة المطارات وإغلاق الحدود البرية بشكل كامل عدة أشهر.
وكشف وزير الصناعة والتجارة والسياحة، زايد الزياني، أن قطاع السياحة قد يواجه خسائر محتملة في عوائد السياحة الوافدة تصل إلى ما يقارب مليار دينار (2.65 مليار دولار) بعد توقفها 9 أشهر نتيجة فقدان 29 ألف زائر يومياً.
ونقلت صحيفة “الوطن” المحلية عن الزياني قوله، في يناير 2021، إن الخسائر التي تكبدها قطاع السياحة بمختلف قطاعاته، منذ بدء جائحة فيروس كورونا المستجد حتى الآن، تقدر بمتوسط للخسائر اليومية في حدود 4 ملايين دينار (10.6 ملايين دولار)، ومتوسط الخسائر الشهرية 108 ملايين دينار (268.5 مليون دولار).
وأضاف: “ترتب على ذلك إلغاء أو تأجيل جميع المعارض والفعاليات المزمع إقامتها في المركز للفترة من مارس 2020 إلى مارس 2021، البالغة نحو 14 معرضاً، متسبباً في إجمالي خسائر قيمة”.
ما هي فرص التعافي؟
ولعل فرص تعافي هذا القطاع لا تزال موجودة، وخصوصاً بعد مباشرة المنامة في حملتها الوطنية للتلقيح، واتباع إجراءات احترازية وصحية للمسافرين، وهو ما قد يسرع من تعافي القطاع في المرحلة المقبلة.
وتتميز البحرين بعدد من الأماكن التاريخية؛ كمتحف بيت القرآن، وقلعة البحرين التي يعود إنشاؤها إلى القرن الرابع عشر، إضافة إلى الأماكن السياحية كجزر الأمواج، والعديد من الأماكن الترفيهية كمدن الألعاب، والحدائق المائية.
وبخصوص الوضع الذي وصل إليه القطاع السياحي ومشاريعه في البلاد قال الزياني، رداً على سؤال برلماني (27 أبريل 2021)، إنه يتم الاستمرار حالياً في تسريع وتيرة العمل لتطوير القطاع السياحي رغم الجائحة وقلة الموارد، مؤكداً أن القطاع السياحي سيعود للعمل بعد شهر رمضان المبارك لما كان عليه قبل الجائحة.
وبين أن هناك عدداً من المشاريع السياحية ستكون جاهزة بنهاية العام الجاري والعام المقبل، كما أن العمل بمشروع ساحل قلالي سيبدأ خلال شهر يونيو المقبل من خلال عمليات الردم ووضع حجر الأساس.
وتعتزم هيئة البحرين للسياحة والمعارض البدء خلال العام الجاري بثلاثة مشاريع مهمة، عبارة عن واجهات بحرية كبيرة في خليج البحرين، وساحل الغوص، وقلالي.
وبلغ صافي الأصول الثابتة للهيئة حوالي 5.9 ملايين دينار (15.66 مليون دولار) وفقاً للتقرير المالي المدقق لعام 2019، كما زاد النقد المتوافر لدى الهيئة من 9.9 ملايين دينار (26 مليون دولار) عند إنشائها في العام 2015، حتى وصل إلى 57 مليون دينار (151 مليون دولار) في شهر مارس 2020.
وترى المحللة الاقتصادية البحرينية، بتول شبر، أن “كورونا ما زال يلقي بظلاله على مستقبل السياحة في البحرين حتى الآن، وخصوصاً مع استمرار خسائر القطاع”.
وقالت في مقال لها بصحيفة “الوطن” المحلية: إن “اقتصاد البحرين عموماً والقطاع السياحي خصوصاً يحتاج وقتاً ليس بالطويل للعودة إلى معدلاته الطبيعية والتعافي من أزمته”، معتبرة أن إعادة افتتاح جسر الملك فهد سيساهم في تقليص فترة انتظار القطاع السياحي المتعطش للحصول على نصيبه من الزوار، وبالتالي فإن أمام القطاع عامين على الأقل كي يتنفس الصعداء من جديد”.
وأكّدت أن إنقاذ القطاع السياحي من الخسائر المتراكمة لن يتأتى إلا من خلال إيجاد حزمة سياحية جديدة، حتى ولو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.