لم يكن ينقص سلسلة الأزمات التي تعاني منها البلاد غير اعتصام أهالي المطلاع، مطالبين بإصدار أوامر بناء للقسائم التي حصلوا عليها منذ سنوات، حتى تكتمل صورة فشل الدولة في تنفيذ سياستها، وكأن ثمة فيروساً يتنقل بين مؤسساتها فيعجزها، بينما ليس هناك من يسمع أصوات الاحتجاج أو يرى معاناة الشعب.
هذا الاعتصام هو تعبير واضح عن تعقيدات الأزمة الممتدة منذ عقود، وأعني بها الرعاية السكنية التي أصبحت إعاقة اجتماعية، بل تعدت ذلك إلى موت سريري، فمنذ العام 1963 وضعت الدولة سياسة إسكانية وبدلا من تطويرها بالشكل العلمي الصحيح عمدت إلى تشويهها تحت ضغط النواب والمتنفذين، وهو ما يزيد الطين بلة مع كل طلب يقدم للرعاية السكنية.
في البداية، كان البيت الحكومي يعتبر جنة لساكنيه، لكن مع التعديلات الخاطئة تحولت هذه السياسة إلى مصدر للاثراء، حين أعطي المواطن حرية البناء وفق ما يشتهي، وليس كما هو مطلوب، بيئياً وعمرانياً.
منذ ذلك التاريخ، بدأت تتراكم طلبات الرعاية التي وصلت فيها مدة الانتظار إلى 20 و25 سنة، وبلغ عددها حتى مارس الماضي 92805 طلبات، وذلك بسبب الخلل في عملية توفير الأراضي لأن نسبة كبيرة جداً منها مملوكة لمؤسسة البترول، وهي لا تمنحها إلا بعد جهد جهيد، في المقابل كانت غيرة المظاهر البراقة عند المواطنين قد وصلت الى حد الحمى، لذا رفضت نسبة كبيرة منهم “البيت الحكومي”.
على جانب آخر، كانت هناك تقديمات تنفيعية عمل النواب على فرضها ومنها ما يسمى “بدل الإيجار للموظفين” الذي كلف الدولة خلال خمس سنوات نحو 1.1 مليار دينار.
ولأن كل شيء في الكويت، منذ ثمانينات القرن الماضي إلى اليوم يستولد قيصريا، من دون انتظار كمال نموه، زاد الترقيع حدة الأزمة، حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم، فيما لو طبق قانون الرعاية السكنية بحذافيره لكانت هذه المشكلة حلت منذ زمن، لكن لأن “الكويتي غير” دخلنا دهليزاً مظلماً من المشكلات.
في دول عربية عدة ثمة رعاية سكنية، مختلفة كليا عما هو معمول به في الكويت، وقد أثبتت نجاحها لأن الدولة حسمت قرارها من البداية، فلم تقدم الارض والقرض للمواطن، بل عملت على توفير الأراضي، وكلفت شركات كبرى ببنائها، ومن ثم تسلم إلى المواطن، وبعضها اعتمد السكن العمودي حيث لم تترك خيارا لطالبي الرعاية، كما هو معمول في الكويت.
هكذا فعلت مصر والمغرب اللذان تخلصا بأبسط الطرق من العشوائيات من دون أن يتكلفا فلسا واحدا، وقدما الى المواطنين سكنا، يدفعون أقساطه المريحة بضمان الدولة، وكذلك سلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية.
منذ سنوات عرضت بعض الشركات العالمية بناء المدن الإسكانية الكويتية، على أن تضمن الدولة قروض البناء، غير أن ذلك سقط تحت ضغط المتمصلحين من تجارة الأراضي والعقارات، فيما استسلمت الحكومة للنواب، ولم تقدم على خطوة ذكية، واليوم بعد أن بدأت الأزمة المالية تتفشى في مؤسسات الدولة، ها هي المشاريع الإسكانية تتحول حبراً على ورق، وستبقى الأزمة تلد أزمات، بسبب غياب الحكومة أو من بيدهم الأمر عن متابعة شؤون المواطنين.